فصل: بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الناسخ والمنسوخ



.سورة الْأَعْرَافِ:

حَدَّثَنَا يَمُوتُ بْنُ الْمُزَرَّعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَسُورَةُ الْأَعْرَافِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ فَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: لَمْ نَجِدْ فِيهَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ إِلَّا آيَةً وَاحِدَةً مُخْتَلَفًا فِيهَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] فِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ، مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِالْأَمْرِ بِالْغِلْظَةِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] أَيِ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ حَقٌّ فِي الْمَالِ سِوَى الزَّكَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ أَمْرٌ بِالِاحْتِمَالِ وَتَرْكُ الْغِلْظَةِ وَالْفَظَاظَةِ غَيْرُ مَنْسُوخٍ فَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالزَّكَاةِ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] يَقُولُ خُذْ مَا عَفَا وَمَا أَتَوْكَ بِهِ، قَالَ: وَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ بَرَاءَةُ بِفَرْضِ الزَّكَاةِ وَتَفْصِيلِهَا وَجَعَلَهَا فِي مَوَاضِعِهَا وَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَسَخَتِ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ فِي الْقُرْآنِ.
وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُجَاشِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ الْأَسْوَدُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ، {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] قَالَ: الْفَضْلَ مِنَ الْمَالِ نَسَخَتْهُ الزَّكَاةُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالْغِلْظَةِ قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ: {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] فَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ لَا يُعْرِضُ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُقَاتِلُهُ ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَقْعُدَ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ وَأَنْ لَا يَقْبَلَ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامَ وَأَنْزَلَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73] وَقَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: 123] فَنَسَخَ هَذَا الْعَفْوُ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ الْعَفْوَ الزَّكَاةُ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ يَمِيلُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ: لِأَنَّ الزَّكَاةَ يَسِيرٌ مِنْ كَثِيرٍ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: إِنَّ الْعَفْوَ شَيْءٌ فِي الْمَالِ سِوَى الزَّكَاةِ قَوْلُ الْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ قَالَا: هُوَ فَضْلُ الْمَالِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى.
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُرْوَةَ ابْنَيْ الزُّبَيْرِ.
كَمَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: إِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ.
وَهَذَا أَوْلَى مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ لِصِحَّةِ إِسْنَادِهِ وَأَنَّهُ عَنْ صَحَابِيٍّ يُخْبِرُ بِنُزُولِ الْآيَةِ وَإِذَا جَاءَ الشَّيْءُ هَذَا الْمَجِيءَ لَمْ يَسَعْ أَحَدًا مُخَالَفَتُهُ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] أَيِ السَّهْلَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَلَا تَغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَلَا تُعَنِّفْ بِهِمْ، وَكَذَا كَانَتْ أَخْلَاقُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَا لَقِيَ أَحَدًا قَطُّ بِمَكْرُوهٍ فِي وَجْهِهِ وَلَا ضَرَبَ أَحَدًا بِيَدِهِ وَقِيلَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهِ عَنْهَا مَا كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي مَدَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَقَالَ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ.
وَزَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ أَنَّ هَذَا أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُفَّارِ أَمَرَهُ بِالرِّفْقِ بِهِمْ وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِيَ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ فِيهِمْ قَالَ لِأَنَّ قَبْلَهُ احْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ {قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ} [الأعراف: 195] وَبَعْدَهُ {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ} [الأعراف: 202].
وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَخْلَاقِ السِّهْلَةِ اللِّينَةِ لِجَمِيعِ النَّاسِ، بَلْ هَذَا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْلَى، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ الَّذِي فَسَّرَ الْآيَةَ: وَاللَّهِ لَأَسْتَعْمِلَنَّ الْأَخْلَاقَ السِّهْلَةَ مَا بَقِيتُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْآيَةِ {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] قَالَ عُرْوَةُ، وَالسُّدِّيُّ: الْعُرْفُ الْمَعْرُوفُ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي قَالَاهُ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةَ يُقَالُ أَوْلَانِي فُلَانٌ مَعْرُوفًا وَعْرُفًا وَعَارِفَةً وَفِي الْحَدِيثِ «الْعُرْفُ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ» وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَمِنِ اخْتِصَارِ الْقُرْآنِ الْمُعْجِزِ لِأَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} هَذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالْقَبُولُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَمَرَ بِهِ وَمَا نَدَبَ إِلَيْهِ هَذَا كُلُّهُ مِنَ الْعُرْفِ وفيها {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] زَعَمَ ابْنُ زَيْدٍ أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ وَقَالَ غَيْرُهُ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِاحْتِمَالِ مَنْ ظَلَمَ، وَمَا بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ كَمَا قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِالسَّهْلِ مِنَ الْأَخْلَاقِ وَتَرْكِ الْغِلْظَةِ لِأَنَّ بَعْدَهَا {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} [الأعراف: 200] أَيْ وَإِمَّا يُغْضِبَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَسْوَسَةٌ وَتَحْمِيلٌ عَلَى تَرْكِ الِاحْتِمَالِ {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف: 200] أَيْ فَاسْتَجِرْ بِهِ مِمَّا عَرَضَ لَكَ {إِنَّهُ سُمَيْعٌ} [الأعراف: 200] لِاسْتِجَارَتِكَ وَغَيْرِهَا {عَلِيمٌ} [الأعراف: 200] بِمَا يُزِيلُ عَنْكَ مَا عَرَضَ لَكَ، وَبَعْدَهَا أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا} [الأعراف: 201] أَيِ اتَّقَوُا اللَّهَ تَعَالَى بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَتَرْكِ مَعَاصِيهِ {إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ} [الأعراف: 201] أَيْ عَارِضٌ وَوِسْوَاسٌ مِنْهُ {تَذَكَّرُوا} [الأعراف: 201] وَعْدَ اللَّهِ وَوَعِيدَهُ وَعِقَابَهُ {فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201] الْحَقَّ آخِذُونَ بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ التَّحَامُلِ عِنْدَ الْغَضَبِ وَالْغِلْظَةِ عَلَى مَنْ قَدْ نُهُوا عَنِ الْغِلْظَةِ عَلَيْهِ.

.سورة الْأَنْفَالِ:

حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَمُوتُ، بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَنَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْفَالِ بِالْمَدِينَةِ فَهِيَ مَدَنِيَّةٌ.

.بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الأولى:

قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] الْآيَةَ لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ، فَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْمَرَ بِتَخْمِيسِ الْغَنَائِمِ وَكَانَ الْأَمْرُ فِي الْغَنَائِمِ كُلِّهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً بِجَعْلِ الْغَنَائِمِ حَيْثُ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَائِلُو هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُونَ: الْأَنْفَالُ هَاهُنَا الْغَنَائِمُ وَيَجْعَلُ بَعْضُهُمُ اشْتِقَاقَهُ مِنَ النَّافِلَةِ وَهِيَ الزِّيَادَةُ قَالَ: فَالْغَنَائِمُ أَنْفَالٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَفَّلَهَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّهُمْ بِذَلِكَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ وَهِيَ مُحْكَمَةٌ، وَلِلْأَئِمَّةِ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا فَيَنْفِلُوا مَنْ شَاءُوا إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَلَاحٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَاحْتَجُّوا أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْأَنْفَالُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا الْغَنَائِمُ لِأَنَّهَا زِيَادَاتٌ يُزَادُهَا الرَّجُلُ عَلَى غَنِيمَتِهِ أَوْ يَزِيدُهَا الْإِمَامُ مِنْ رَأْى.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ الْأَنْفَالَ مَا شَذَّ مِنَ الْعَدُوِّ مِنْ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ ذَلِكَ مَنْ شَاءِ إِذَا كَانَ صَلَاحًا.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: إِنَّ الْأَنْفَالَ أَنْفَالُ السَّرَايَا خَاصَّةً وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: إِنَّ الْأَنْفَالَ الْخُمُسُ خَاصَّةً سَأَلُوا لِمَنْ هُوَ فَأُجِيبُوا بِهَذَا.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَمَنْ رُوِيَ عَنْهُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: الْأَنْفَالُ الْغَنَائِمُ الَّتِي كَانَتْ خَالِصَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا شَيْءٌ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ.
كَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمٌ، مَوْلَى أَبِي عَلِيٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: نُسِخَتْ نَسَخَتْهَا {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]. وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ.
كَمَا قُرِئَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى الْجَوْزِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، قَالَا: كَانَتِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41].
وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الضَّحَّاكِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالسُّدِّيِّ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ أَحَدًا شَيْئًا مِنَ الْغَنِيمَةِ إِلَّا مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْأَسْهُمَ الْأَرْبَعَةَ قَدْ صَارَتْ لِمَنْ شَهِدَ مِنَ الْجَيْشِ الْحَرْبَ، وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي السَّهْمِ الْخَامِسِ سَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ لِلْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ أَيْ لِمَا فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا التَّنْفِيلُ مِنْهُ فَالْقَوْلُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ إِذَا صَارَتِ الْأَنْفَالُ تُقَسَّمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَقُولُ إِنَّمَا تُقَسَّمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّمَا ذُكِرَتِ الْأَصْنَافُ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يُقْسَمَ السَّهْمُ فِيهَا فَإِنْ دُفِعَ إِلَى بَعْضِهَا جَازَ فَهَذَا كُلُّهُ يُوجِبُ أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَسْهُمَ لِمَنْ شَهِدَ الْحَرْبَ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي السَّهْمِ الْخَامِسِ وَمِمَّا يُحَقِّقُ أَنَّهَا نَسَخَتْهَا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا كَمَا قُرِئَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أُنْزِلَ فِيَّ آيَاتٌ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَالَ فِيهِ «وأَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنِيمَةً عَظِيمَةً فَإِذَا فِيهَا سَيْفٌ فَأَخَذْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: نَفِّلْنِيهِ فَأَنَا مَنْ قَدْ عَلِمْتُهُ، قَالَ رُدَّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ فَانْطَلَقْتُ بِهِ حَتَّى إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أُلْقِيَهَ فِي الْقَبْضِ لَامَتْنِي نَفْسِي فَرَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَعْطِنِيهِ قَالَ: فَشَدَّ صَوْتَهُ وَقَالَ رُدَّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] الْآيَةَ».
وَحَكَى أَبُو جَعْفَرِ بْنُ رِشْدِينَ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ قَالَ: الْقَبْضُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْمَعُ الْغَزَاةُ فِيهِ مَا غَنِمُوا.
وقُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنِ الْقُرَظِيِّ، قَالَ أَبُو صَخْرٍ، وَحَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ سَعْدًا، وَرَجُلًا، مِنَ الْأَنْصَارِ خَرَجَا يَتَنَفَّلَانِ فَوَجَدَا سَيْفًا مُلْقًى فَخَرَّا عَلَيْهِ جَمِيعًا فَقَالَ سَعْدٌ: هُوَ لِيَ وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: هُوَ لِيَ، قَالَ لَا أُسَلِّمُهُ حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَّا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَيْسَ لَكَ يَا سَعْدُ وَلَا لِلْأَنْصَارِيِّ وَلَكِنَّهُ لِي» فَنَزَلَتْ {يَسْأَلُونَكِ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1] يَقُولُ سَلَّمَا السَّيْفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ حَسَنَةٌ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَّصِلَةٍ فَإِنَّهَا عَنْ سَعْدٍ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ ثُمَّ ذَكَرَ نَسْخَهَا وَقَدْ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ يَقُولُ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نَظَرْتُ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ فَمَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَنْكَرَهُ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا ثُمَّ رَفَعَ يَحْيَى فِي الْحَدِيثِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ مَنْ حَضَرَ الْحَرْبَ عَلَى سَهْمِهِ لِبَلَاءٍ أَبْلَاهُ أَوْ لِعَنَاءٍ أَتَاهُ وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْضَخَ لِمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَلَاحٌ لِلْمُسْلِمِينَ يَتَأَوَّلُ قَائِلٌ هَذَا مَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا، يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْأَنْفَالِ فَقَالَ: الْفَرَسُ مِنَ النَّفَلِ وَالسَّلَبُ مِنَ النَّفَلِ. ثُمَّ عَادَ يَسْأَلُهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَلِكَ أَيْضًا ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: مَا الْأَنْفَالُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ فِي كِتَابِهِ فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ حَتَّى كَادَ يُحْرِجُهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا مَثَلُ هَذَا؟ مِثْلُهُ مَثَلُ صُبَيْغٍ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؟
حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً فَطَارَتْ سُهْمَانُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا».
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا التَّنْفِيلُ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ مِنَ الْخُمُسِ وَاحْتَجَّ قَائِلٌ هَذَا بِاللُّغَةِ أَيْضًا وَأَنَّ مَعْنَى التَّنْفِيلِ فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةُ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ يَمِيلُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ الْأَنْفَالَ مَا شَذَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ، قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ.
كَمَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَسْبَاطٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] قَالَ: الْأَنْفَالُ مَا شَذَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ دَابَّةٍ فَهُوَ النَّفَلُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَ بِهِ مَا شَاءَ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، وَحَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: فَذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ يَصْنَعُ مَا شَاءَ بِهِ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: إِنَّ الْأَنْفَالَ أَنْفَالُ السَّرَايَا قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ.
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: إِنَّ الْأَنْفَالَ الْخُمُسُ قَوْلُ مُجَاهِدٍ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: قَالَ الْمُهَاجِرُونَ: لَمْ يَخْرُجْ مِنَّا هَذَا الْخُمُسُ فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا يَدْخُلُ فِي بَعْضٍ لِأَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ هُوَ مَا شَذَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ يَدْخُلُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ وَكَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: هِيَ أَنْفَالُ السَّرَايَا وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ هِيَ الْخُمُسُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ التَّنْفِيلُ مِنَ الْخُمُسِ، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ.

.بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ:

قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 16].
لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.
مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مَخْصُوصَةٌ لِأَهْلِ بَدْرٍ لِأَنَّهَا فِيهِمْ نَزَلَتْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ وَحُكْمُهَا بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمِمَّنْ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: نَسَخَهَا {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} إِلَى تَمَامِ الْآيَتَيْنِ أَيْ فَنُسِخَ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ وَالْإِطْلَاقُ لَهُمْ أَنْ يُوَلُّوا مِمَّنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهَا مَخْصُوصَةٌ قَوْلِ الْحَسَنِ.
كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، بِالْأَنْبَارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَيْسَ الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ مِنَ الْكَبَائِرِ إِنَّمَا كَانَ فِي أَهْلِ بَدْرٍ خَاصَّةً هَذِهِ الْآيَةُ {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16].
وقُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نُضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: نَزَلَتْ {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] فِي أَهْلِ بَدْرٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ حُكْمَهَا بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ الْكَبَائِرَ، قَالَ: وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ قَالَ {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: 16].
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا أَوْلَى مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَوَعِيدٌ وَلَا يُنْسَخُ الْوَعِيدُ كَمَا لَا يُنْسَخُ الْوَعْدُ فَإِنْ قِيلَ فَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ وَقَدْ خَبَّرَ بِنُزُولِ الْآيَةِ فِي أَهْلِ بَدْرٍ؟ فَكَيْفَ يَجُوزُ خِلَافُهُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَعَمْرِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ فِي مِثْلِ هَذَا وَالْقَوْلُ كَمَا قَالَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ وَحُكْمُهَا بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَهْلُ بَدْرٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِئَتَهُمْ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَنْحَازُوا إِلَيْهِ وَكَذَا كُلُّ إِمَامٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ حُكْمَهَا بَاقٍ مَا حَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كُنْتُ فِي غَزْوَةِ مَسَالِحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَنَا الْعَدُوُّ فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً، وَيُقَالُ جَاضَ النَّاسُ جَيْضَةً فَكُنْتُ فِيمَنْ حَاصَ فَرَجَعْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا فَقُلْنَا كَيْفَ يَرَانَا الْمُسْلِمُونَ وَقَدْ بُؤْنَا بِالْغَضَبِ ثُمَّ قَرَأَ {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: 16]، فَقُلْنَا نَأْتِي الْمَدِينَةَ فَنَبِيتُ بِهَا ثُمَّ نَخْرُجُ فَلَا يَرَانَا أَحَدٌ فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ قُلْنَا لَوْ عَرَضْنَا أَنْفُسَنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَصَدَنَاهُ حِينَ خَرَجَ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الْفَرَّارُونَ قَالَ: لَا بَلُ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ قُلْنَا: إِنَّا قَدْ هَمَمْنَا بِكَذَا وَكَذَا قَالَ: لَا أَنَا فِئَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16]».
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ مَعْنَى الْآيَةِ لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَقْبَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَرْبِ إِلَّا بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ بَاقٍ وَتَبَيَّنَ أَنَّ لِمَنْ حَارَبَ الْعَدُوَّ إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَنْحَازَ إِلَى فِئَةٍ يَتَقَوَّى بِهَا وَالْعَكَّارُونَ الْكَرَّارُونَ الرَّاجِعُونَ يُقَالُ عَكَرَ وَعَكَّرَ وَاعْتَكَرَ إِذَا كَرَّ وَرَجَعَ فَلَمَّا رَجَعَ ابْنُ عُمَرَ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَابِلِينَ مِنْهُ كَانُوا هُمُ الْعَكَّارِينَ الرَّاجِعِينَ إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ بَذْلِ أَنْفُسِهِمْ إِلَى الْجِهَادِ وَالْقَبُولِ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا لِأَنَّهَا مُشْكِلَةٌ.

.بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ:

قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].
لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: قَالَ الْحَسَنُ: نَسَخَ {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] قَوْلُهُ {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 34].
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: النَّسْخُ هَاهُنَا مُحَالٌ لِأَنَّهُ خَبَرٌ خَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رُوِيَ عَنْهُ هَذَا إِلَّا الْحَسَنَ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ وَقَالُوا فِيهَا أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ فَمِنْ ذَلِكَ:
مَا حَدَّثَنَاهُ بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] قَالَ: يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَ قَوْمًا وَأَنْبِيَاؤُهُمْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ حَتَّى يُخْرِجَهُمْ، وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قَالَ: يَقُولُ وفيهمْ مَنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ مِنْهُ الدُّخُولُ فِي الْإِيمَانِ وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 34] يَوْمَ بَدْرٍ بِالسَّيْفِ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: شَرْحُ هَذَا {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ} [الأنفال: 33] يَعْنِي الْكُفَّارَ جَمِيعًا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُسْلِمُ فَيَكُونُ وَهُمْ يُرَادُ بِهِمُ الْبَعْضُ مِثْلَ قَوْلِ الْعَرَبِ قَتَلْنَا بَنِي فُلَانٍ وَإِنَّمَا قَتَلُوا بَعْضَهُمْ {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 34] إِذَا أَسْلَمَ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يُسْلِمُ فَهَذَا الْقَوْلُ يَجُوزُ إِلَّا أَنَّ فِيهِ هَذَا التَّعَسُّفَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أَيْ يُسْلِمُونَ وَهَذَا كَالْأَوَّلِ.
وَرَوِيَ أَبُو زُمَيْلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] أَيْ: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ كَانُوا يَقُولُونَ غُفْرَانَكَ غُفْرَانَكَ، وَمَا لَهُمْ ألَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُهُ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ أَنَّهُمْ إِنَّمَا اسْتَعْجَلُوا بِعَذَابِ الدُّنْيَا لَا بِعَذَابِ الْآخِرَةِ وَأَيْضًا فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ فِي الْآخِرَةِ إِنْ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ، فَهَذَانِ قَوْلَانِ لِمَنْ قَالَ إِنَّهَا مُحْكَمَةٌ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَوْلُ الضَّحَّاكِ.
كَمَا قُرِئَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى الْجَوْزِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 34] قَالَ الْكُفَّارُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: جُعِلَ الضَّمِيرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ وَإِنْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ قَدْ أَنْكَرَهُ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْمُؤْمِنِينَ ذِكْرٌ فَيُكَنَّى عَنْهُمْ فَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ السُّورَةِ.
فَإِنْ قِيلَ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؟
فَالْجَوَابُ أَنَّ فِيَ الْمَعْنَى دَلِيلًا عَلَى ذِكْرِهِمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَالَ مِنَ الْكُفَّارِ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ إِنَّمَا قَالَ هَذَا مُسْتَهْزِئًا وَمُتَعَنِّتًا وَلَوْ قَصَدَ الْحَقَّ لَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدَكَ فَاهْدِنَا لَهُ وَلَكِنَّهُ كَفَرَ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يَبْعَثُ رَسُولًا يُوحَى إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ أَيِ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدَكِ فَأَهْلِكِ الْجَمَاعَةَ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُسْلِمِينَ فَهَذَا مَعْنَى ذِكْرِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى كَيْفَ يُهْلِكُ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا مَعْنَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 34] يَعْنِي الْكَافِرِينَ.
وَقَوْلُ ابْنِ أَبْزَى كَقَوْلِ الضَّحَّاكِ قَالَ {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] يَعْنِي الْفِئَةَ الْمُسْلِمَةَ الَّتِي كَانَتْ بِمَكَّةَ فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 34] يَعْنِي الْكُفَّارَ.
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: قَوْلُ قَتَادَةَ، وَالسُّدِّيِّ، وَابْنِ زَيْدٍ قَالُوا: {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] أَيْ لَوِ اسْتَغْفَرُوا.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَهَذَا أَبْيَنُ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ وَلَا تَعَسُّفَ فِيهِ كَمَا تَقُولُ لَا أُسِيءُ إِلَيْكَ وَأَنْتَ تُحْسِنُ إِلَيَّ أَيْ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ مَا أَسَأْتُ إِلَيْكَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ} [الأنفال: 33] وَهَذِهِ حَالُهُمْ أَيْ لَوِ اسْتَغْفَرُوا مِنَ الْكُفْرِ وَتَابُوا {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 34] أَيْ وَمَا شَأْنُهُمْ وَمَا يَمْنَعُهُمْ أَنْ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ مُصِرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي فَقَدِ اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْآيَةِ الرَّابِعَةِ.

.بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ:

قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61].
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} [الأنفال: 61] قَالَ: لِلصُّلْحِ {فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] قَالَ: نَسَخَهَا {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَرُوِيَ عَنِ، ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّاسِخَ لَهَا {فَلَا تَهِنُوا وَتَدَعُوا إِلَى السَّلْمِ}.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: الْقَوْلُ فِي أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ لَا يَمْتَنِعُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْإِجَابَةِ إِلَى الصُّلْحِ وَالْهُدْنَةِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] حَظَرَ الصُّلْحَ وَالْهُدْنَةَ مَعَ قُوَّةِ الْيَدِ وَالِاسْتِعْلَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَالْبَيِّنُ فِي بَابِ النَّظَرِ أَنْ لَا تَكُونُ مَنْسُوخَةً وَأَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ مُبَيِّنَةٌ لِلْأُولَى وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ فِي الْآيَةِ الْخَامِسَةِ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ.

.بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ:

قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}
فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَسَخَهَا {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] الْآيَةَ.
وقُرِئَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ يوسُفَ بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ خِرِّيتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ فَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَاتِلَ الرَّجُلُ مِنْهُمُ الْعَشَرَةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ جَلَّ وَعَزَّ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى التَّخْفِيفَ فَجَعَلَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُقَاتِلَ الرَّجُلَيْنِ فَخَفَّفَ عَنْهُمْ وَنَقَصُوا مِنَ النَّصْرِ بِقَدْرِ ذَلِكَ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا شَرْحٌ بَيِّنٌ حَسَنٌ أَنْ يَكُونَ ذَا تَخْفِيفًا لَا نَسَخًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى النَّسْخِ رَفَعَ حُكْمَ الْمَنْسُوخِ وَلَمْ يَرْفَعْ حُكْمَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ لَا يُقَاتِلُ الرَّجُلُ عَشْرَةً بَلْ إِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ الِاخْتِيَارُ لَهُ وَنَظِيرُ هَذَا إِفْطَارُ الصَّائِمِ فِي السَّفَرِ لَا يُقَالُ إِنَّهُ نَسَخَ الصَّوْمَ وَإِنَّمَا هُوَ تَخْفِيفٌ وَرُخْصَةٌ وَالصِّيَامُ لَهُ أَفْضَلُ قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَكَذَا النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَفِرَّ، مِنَ اثْنَيْنِ إِذَا كَانَ عَلَى مُنْكَرٍ وَلَهُ أَنْ يَفِرَّ مِنْ أَكْثَرَ مِنْهُمَا.
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَدْخَلَ الْآيَةَ السَّادِسَةَ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ.

.بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ السَّادِسَةِ:

قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67].
حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] قَالَ: وَذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ قَلِيلٌ يَوْمَئِذٍ فَلَمَّا كَثُرُوا وَاشْتَدَّتْ سُلْطَانُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا فِي الْأَسْرَى {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى النَّبِيَّ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي أَمْرِ الْأَسْرَى بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُمْ وَإِنْ شَاءُوا اسْتَعْبَدُوهُمْ وَإِنْ شَاءُوا فَادَوْهُمْ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ بِمَعْزِلٍ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] فَأَخْبَرَ بِهَذَا فَلَمَّا أَثْخَنَ فِي الْأَرْضِ كَانَ لَهُ أَسْرَى وَاخْتُلِفَ فِي الْحُكْمِ فِيهِمْ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ أُدْخِلَتِ الْآيَةُ السَّابِعَةُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ.

.بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ السَّابِعَةِ:

قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69].
فَكَانَ هَذَا نَاسِخًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فِي حَظْرِ الْغَنَائِمِ لِأَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنَّمَا كَانَتْ تَنْزِلُ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلُهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ قَبْلَنَا» وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ لَمَّا أَسْرَعُوا إِلَيْهَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] قِيلَ الْمَعْنَى لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَبَقَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ التَّقَدُّمِ إِلَيْهِ لَعَاقَبَكُمْ قَبْلُ، وَقِيلَ لَوْلَا أَنَّهُ سَبَقَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا عَلَى صَغِيرَةٍ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ لَعَاقَبَكُمْ وفيه غَيْرُ هَذَا قَدْ ذَكَرْتُهُ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ تَقُولُ فِي الْآيَةِ الثَّامِنَةِ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ.

.بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الثَّامِنَةِ:

قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72].
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَوَارَثُونَ بِالْهِجْرَةِ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ فَلَمْ يُهَاجِرْ لَمْ يَرِثْ أَخَاهُ فَنَسَخَ ذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ وَعَزَّ {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} [الأحزاب: 6].
وقُرِئَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأحزاب: 6] فَتَوَارَثَوْا بِالنَّسَبِ.
قَالَ أَبْو جَعْفَرٍ: فَتَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِلَّتِي قَبْلَهَا وَأَنَّ التَّوَارُثَ كَانَ بِالْهِجْرَةِ وَالْمُؤَاخَاةِ فَنَسَخَ ذَلِكَ قَالَ عِكْرِمَةُ: فَأَقَامَ النَّاسُ بُرْهَةً مِنَ الدَّهْرِ لَا يَرِثُ الْأَعْرَابِيُّ الْمُهَاجِرَ وَلَا الْمُهَاجِرُ الْأَعْرَابِيَّ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا}.
قَالَ قَتَادَةُ أَيْ بِالْوَصِيَّةِ.